قال الدكتور وفيق نصير عضو البرلمان العالمي للبيئة ، إن فهم الأسباب الجذرية لتغير المناخ في مصر يتأثر المناخ في مصر بعوامل متعددة، بعضها عالمي والبعض الآخر محلي، لكن الأسباب الرئيسية تعود إلى ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية. على الرغم من أن مساهمة مصر في انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا تعتبر بسيطة (حوالي 0.6%)، إلا أنها من الدول الأكثر تأثرًا بتداعيات التغير المناخي بسبب موقعها الجغرافي وطبيعة مناخها.
الانبعاثات العالمية والوقود الأحفوري
واضاف وفيق نصير ، أن المحرك الأساسي للتغير المناخي عالميًا هو زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والناتجة بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. هذه الأنشطة الصناعية مسؤولة عن أكثر من 75% من الانبعاثات العالمية. هذا التراكم يرفع درجات الحرارة العالمية، مما يؤثر بشكل مباشر على المناخ المصري ويزيد من تراكم الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي بمرور السنين.
العوامل الجغرافية والمحلية
وتابع يساهم موقع مصر الجغرافي في منطقة شديدة الجفاف وفي شمال إفريقيا والشرق الأوسط في تفاقم تأثيرات التغير المناخي. الأراضي المصرية مسطحة ومنخفضة في معظمها، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للآثار السلبية لارتفاع منسوب سطح البحر. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد مصر الشديد على نهر النيل يجعلها حساسة للغاية للتغيرات في أنماط هطول الأمطار العالمية ونقص المياه.
التأثيرات المتعددة لتغير المناخ على مصر
تتعدد تأثيرات التغير المناخي على مصر، وتطال مختلف القطاعات الحيوية، من الزراعة والمياه إلى الصحة والاقتصاد، مما يشكل تحديات تنموية واجتماعية كبيرة.
تأثيرات على الموارد المائية والزراعة
تعتبر الموارد المائية في مصر محدودة بطبيعتها، حيث تقع البلاد في منطقة شديدة الجفاف. تتفاقم هذه المشكلة بسبب التغيرات المناخية، التي تؤثر على توافر المياه وتزيد من حدة الفقر المائي. ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر ونقص المياه المتاحة، مما يهدد نهر النيل كمصدر رئيسي للري والشرب.
على صعيد الزراعة، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه إلى انخفاض ملحوظ في إنتاجية المحاصيل الزراعية الرئيسية مثل القمح والأرز وفول الصويا. هذا التدهور يهدد الأمن الغذائي الوطني ويزيد من الضغط على أسعار المواد الغذائية، خاصة أن مصر تعتمد على استيراد جزء كبير من غذائها. كما تؤثر ملوحة الأراضي الزراعية في دلتا النيل بشكل كبير بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر، مما يهدد بغرق وملوحة الأراضي ويقلل من فرص العمل في القطاع الزراعي.
تهديد السواحل والمناطق المنخفضة
تعتبر المناطق الساحلية، وخاصة دلتا النيل، من أكثر المناطق عرضة للخطر بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر. يهدد هذا الارتفاع بغمر أجزاء من الأراضي الساحلية المنخفضة، بما في ذلك الأراضي الرطبة والمحميات الطبيعية في شمال مصر. هذا يؤثر على التنوع البيولوجي، ويهدد الاستقرار السكاني والاقتصادي لهذه المناطق، وقد يؤدي إلى نزوح السكان وتآكل الشواطئ.
الظواهر الجوية المتطرفة والصحة العامة
تشهد مصر زيادة في شدة وتكرارية الأحداث الجوية العنيفة، مثل موجات الحر الشديدة، العواصف الترابية، والأمطار الغزيرة غير المعتادة. هذه الظواهر تؤثر على البنية التحتية وتزيد من مخاطر الفيضانات المفاجئة، كما حدث في بعض المناطق مؤخرًا. ارتفاع درجات الحرارة يزيد أيضًا من الطلب على الكهرباء بسبب استخدام مكيفات الهواء، مما يضغط على شبكات الطاقة.
على الصعيد الصحي، يمكن أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم المشكلات الصحية. ارتفاع درجات الحرارة يزيد من خطر الإجهاد الحراري، خاصة على الفئات الضعيفة كالأطفال وكبار السن. كما يمكن أن يساهم في انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل الملاريا وحمى الضنك، بالإضافة إلى زيادة انتشار الآفات الزراعية.
التداعيات الاقتصادية والبيئية
تؤدي الآثار المذكورة أعلاه إلى خسائر اقتصادية تقدر بالمليارات، مما يؤثر على الاقتصاد المصري بشكل مباشر، بما في ذلك قطاعات الزراعة والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، تتراجع الثروة السمكية نتيجة لزيادة ملوحة المياه وتغير نوعية المياه في البحيرات الشمالية، مما يؤثر على سبل عيش الصيادين والاقتصاد المرتبط بالصيد.
القدرة على التكيف: جهود مصر لمواجهة التحديات المناخية
على الرغم من التحديات الهائلة، تتخذ مصر خطوات استباقية لمواجهة آثار تغير المناخ وتعزيز قدرتها على التكيف. وتتجلى هذه الجهود في إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050" وغيرها من المبادرات الهادفة.
الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050
تهدف هذه الاستراتيجية الشاملة إلى تعزيز قدرة مصر على التكيف مع التغيرات المناخية وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. تركز الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية:
تحسين كفاءة استخدام المياه: من خلال تطوير نظم الري الحديثة وتحلية المياه وإعادة تدويرها لضمان استدامة الموارد المائية في ظل النقص المتزايد.
تطوير تقنيات زراعية مقاومة: تشجيع الزراعة المقاومة للجفاف وارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة لضمان الأمن الغذائي.
تعزيز البنية التحتية: تحسين وتطوير البنية التحتية لتكون قادرة على تحمل تأثيرات العواصف والأمطار الغزيرة وارتفاع منسوب سطح البحر.
تشجيع الطاقة المتجددة: زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة البيئية.
التقدم في مؤشرات الأداء المناخي
في إشارة إلى التقدم الذي أحرزته مصر في جهود مواجهة تغير المناخ، احتلت البلاد المركز 20 عالميًا والثاني عربيًا وأفريقيًا في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2025. هذا يعكس التزام مصر بالعمل على المستوى الدولي والوطني لمواجهة هذه التحديات الحيوية.
وتابع أن تغير المناخ يمثل تحديًا وجوديًا لمصر، حيث تتداخل العوامل العالمية مع نقاط الضعف الجغرافية لإنشاء سيناريو معقد. من ارتفاع منسوب سطح البحر الذي يهدد خصوبة الدلتا، إلى نقص الموارد المائية وتزايد الظواهر الجوية المتطرفة التي تؤثر على الأمن الغذائي والصحة، تتطلب هذه التداعيات استجابة شاملة. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية الوطنية الطموحة لمصر لعام 2050 والتقدم الملحوظ في المؤشرات العالمية يعكسان التزامًا قويًا بالصمود. من خلال التركيز على التكيف، وتعزيز الطاقة المتجددة، والإدارة الفعالة للموارد، تسعى مصر جاهدة لبناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة لمواطنيها، مما يضمن أن تتغلب أرض النيل على هذه التحديات المناخية بفاعلية.




















